الاثنين، 16 يوليو 2012

إبراهيم طوقان... شاعر له عينا زرقاء اليمامة

إبراهيم طوقان... شاعر له عينا زرقاء اليمامة
          على الرغم من أن الشاعر الفلسطيني الراحل إبراهيم طوقان توفي قبل سبع سنوات من قيام الكيان الصهيوني عام 1948، فإن قصائده التي كتبها في قضية فلسطين تبدو لمن يطالعها وكأنها كتبت على هامش ما يحدث اليوم للقضية على يد أعدائها وأصدقائها على حد سواء!!. فقد كان للشاعر الذي توفي شابا لم يتجاوز السادسة والثلاثين من عمره نظرة استشرافية بالغة الدقة في إحاطتها بالمشهد الفلسطيني المتجدد بتداعياته الإنسانية والسياسية والحربية. فبدا إبراهيم طوقان في قصائده وكأنه استعار عيني زرقاء اليمامة ليقرأ بها فسيفساء الواقع الفلسطيني والعربي والدولي، حيث ضاعفت شعريته وزادتها ثراء بل ولعلها كانت السبب الأول في إيقاد شعلتها التي لم تنطفئ حتى برحيل الشاعر الثائر.
          وإذا كانت تلك النظرة الاستشرافية، التي ميزت في العادة أولئك الشعراء الذين يودعون الحياة في سن مبكرة،  الجناح الأول لقصيدة إبراهيم طوقان، فإن القضية الوطنية التي فرضت مناخاتها على ديوان الشعر الفلسطيني كله كانت هي الجناح الآخر، وبهذين الجناحين، حلقت قصيدة الشاعر الذي وضع أصابع الشعر كلها على جروح الشعب التي لم تلتئم حتى الآن... احتلالا وتهجيرا وتقتيلا ومحنا متتالية ونكبات متراكمة وتاريخ دماء لا تجف ودموعًا تحجرت في مآقي الضحايا والشهود على حد سواء.
          وفي قصائد الشاعر الكثيرة التي رسمت تفاصيل المأساة في تغريباتها المبكرة أكثر من إشارة غارقة في بحار المرارة والسخرية على ما يمكن أن تئول إليه  حكاية وطن اسمه فلسطين على أيدي المحتل ومؤيديه والمتواطئين معه والمستفيدين من وجوده وأولئك الخانعين لجبروته.
          وعلى الرغم من أن قلة من الشعراء الفلسطينيين قد نجحوا، وإن بدرجات متفاوتة، في الإفلات من شباك القضية الوطنية، وما تؤدي إليه غالبا من تقريرية ومباشرة يأنف منها الشعر الخالص، وهم بصدد تكوين شخصياتهم الشعرية وخصوصا في تلك الفترة التي شهدت الإرهاصات الأولى لعنف الاحتلال في احتلال المشهد الفلسطيني على أرض الواقع تمهيدا لتزييف التاريخ، فإن إبراهيم طوقان، المستغرق في خضم تلك القضية، لم يجد حرجا في النفاذ إلى مناطق إنسانية أخرى شعريا فكتب العديد من القصائد ذات النفس العاطفي، الغزلي، الخالص، للدرجة التي تحرج فيها جامعو ديوانه بعد وفاته من تضمينها للديوان خوفا من خدش الصورة العامة لشاعر القضية الفلسطينية لدى من عرفه بهذه الصفة وحدها.
          وُلدَ الشاعرُ إبراهيمُ عبد الفتاح طوقان في قضاءِ نابلس بفلسطين سنة 1905 لأسرة ثرية ومعروفة في محيطها الفلسطيني، وتلقى علومه الأولية في مدارس نابلس قبل أن ينتقل الى القدس لإكمال دراسته الثانوية في الكلية الإنجليزية حيث قضى فيها أربعة أعوام، أتقن خلالها علوم اللغة العربية وآدابها، وبعدها التحق بالجامعة الأمريكية في بيروت حيث مكث هناك ست سنوات نال فيها درجة جامعية في الآداب عام 1929، ثم عاد ليدرّس في مدرسة النجاح الوطنية بنابلس. وما لبث أن عاد الى بيروت مدرسا للغة العربية في الجامعة الأمريكية لمدة عامين دراسيين ثم عاد بعدها إلى فلسطين. وفي العام 1936 تسلم القسم العربي في إذاعة القدس، لكنه سرعان ما أقيل من عمله 1940 من قبل سلطات الانتداب  البريطاني التي رأت في قصائده التي كان ينشرها في عدد من الصحف العربية وخصوصا في بيروت ما يعارض مصالحها الاحتلالية . عندها لم يجد الشاعر الشاب بدا من الهجرة مجددا وكانت وجهته هذه المرة العراق، حيث عملَ مدرسًا في مدرسة دار المعلمين في بغداد، لكن المرض الذي كان رفيق رحلة العمر القصيرة اشتد عليه فعاد إلى وطنه للعلاج، وبعدها للرحيل الأبدي في الثاني من مايو من عام 1941، تاركا وراءه أحلاما لم تتحقق وحسرات متراكمة، وروحا شعريا نزقا، وهوي للشعر ولفلسطين جسدته بحب وموهبة مستقلة بذاتها شقيقته الشاعرة فدوى طوقان، والتي كان له الدور الأهم في رعايتها وتشجيعها على القول رغما عن الهيمنة الذكورية للعائلة والمجتمع آنذاك.
          وكان الشاعر  قد أعد ديوانه الذي نشر معظم قصائده في الصحف والدوريات العربية  للنشر قبل رحيله، لكنه لم ينشر فعلا إلا عام 1955  بعنوان  «ديوان إبراهيم طوقان»، ثم طبع هذا الديوان بطبعات مختلفة بعد ذلك..



تابعونا على الفيس بوك

www.facebook.com/awladuna

إقرأ أيضًا:
إبراهيم طوقان.. شاعر له عينا زرقاء اليمامة
ديكِ الجن.. ديك الشعر الفصيح
مالك بن الرَّيـْب.. يرثي نفسه




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق