الخميس، 26 يوليو 2012

المخدرات...... والشباب العربي

الكوكايين يستهدف أبناءنا
الأرقام الأخيرة المخيفة تنبئنا بأن هناك 14 مليون شاب عربي يدمنون الكوكايين، وبغض النظر عن الرقم، فإن عودة هذا المخدّر المدمر إلى الساحة العربية أمر يستدعي كل الانتباه من الأُسر العربية.
          البيت العربي.. والشباب العربي بالذات يتعرض الآن لهجمة شرسة من مروجي المواد المخدرة وبصفة خاصة «الكوكايين»، ويؤكد تقرير للهيئة الدولية لمراقبة المخدرات «INCB» أن دولة كولومبيا هي المصدر الرئيسي لتهريب هذه المادة إلى المنطقة العربية.. وتضيف الهيئة في تقريرها: «إن عدد المدمنين في المنطقة العربية قد بلغ 42 مليون متعاط لمادة «الحشيش».. أما الكوكايين فقد وصل عدد مدمنيه في المنطقة العربية إلى 14 مليون شاب مدمن.
لماذا الكوكايين بالذات؟
          التقارير تؤكد أيضًا أن الكيلو جرام من الكوكايين يصل ثمنه إلى 850 ألف جنيه في حين أن «البانجو» لا يتجاوز ثمنه 1200 جنيه للكيلو جرام وأن الكيلو جرام من الحشيش يصل ثمنه إلى 145 ألف جنيه. أما الهيروين فقد ارتفع ثمنه من 150 ألف جنيه ليصل إلى نصف مليون جنيه للكيلو جرام الواحد!
          وبذلك فإن ارتفاع ثمن الكوكايين بالذات يدفع المهربين إلى اختيار دول غنية يمكن أن يدفع شبابها هذا الثمن الباهظ لهذه المادة المدمرة «الكوكايين» وحققت المنطقة العربية لهم هذا الهدف لترويج سمومهم.
          وقد أدى انتشار إدمان الكوكايين في المنطقة العربية إلى تفشي ظاهرة طبية لم تكن معروفة في المنطقة ولا مألوفة في مجتمعنا وهي كما يشرح د. أحمد عبداللطيف أستاذ القلب بجامعة الأزهر. انتشار مرض الذبحة الصدرية في سن مبكرة، شباب في الثلاثينيات والأربعينيات، أي في أهم مراحل العمر للكفاح والإنتاج وبناء المستقبل يدخلون الرعاية المركزة وغرف القسطرة ونسبة مرتفعة من الوفيات تحدث في ريعان الشباب. ماذا حدث وما هو التعليل لهذه الظاهرة الخطيرة والتي تحدث الآن أيضًا في الولايات المتحدة الأمريكية، ولكن لأنهم يملكون إمكانات هائلة في الأبحاث العلمية فقد توصلوا إلى ثلاثة أسباب، أولها: التدخين وثانيها: الكوكايين والهيروين وثالثها: الضغوط النفسية التي يتعرض لها الشباب. هل نحن بعيدون عن هذه الأسباب؟ بل نحن نعاني أكثر منهم في هذه المجالات الثلاثة وعن التدخين، فلا أعتقد أن هناك شابًا عربيًا واحدًا لا يعرف أضرار التدخين وكذلك الضغوط النفسية، فكان الله في عون الشباب المطحون المكافح إذا كان الشباب الأمريكي المدلل يعاني  شيئا كهذا؟ فالحديث هنا إذن يجب أن يكون عن الكوكايين والهيروين. هل هذه المخدرات موجودة في مجتمعنا؟ الإجابة نعم كما يضيف أستاذ طب القلب وأكثر مما يظن الكثيرون.
          والسؤال الثاني هل لها علاقة بالذبحة الصدرية؟ والإجابة نعم، وبالتأكيد وهذا مما لا يعرفه الكثيرون، وهناك دائمًا حالات من الوفيات نتيجة للتعاطي ويؤخذ الموضوع دائمًا على أنه نتيجة لتعاطي كمية كبيرة تؤدي إلى هبوط التنفس ويتم التعتيم على الحادث كله لأن الضحية غالبًا ما يكون شخصًا محترمًا أو ينتمي إلى عائلة كريمة، والواقع غير ذلك فهذه المخدرات تؤدي إلى تلف الغشاء المبطن لشرايين القلب مما يؤدي إلى خلل في الوظائف المهمة التي يقوم بها هذا الغشاء فيترتب على ذلك حدوث جلطات وتقلصات ينتج عنها انسداد الشرايين التي تغذي عضلة القلب وتتلف هذه العضلة وتحدث الذبحة الصدرية وهبوط القلب والوفاة.
تدخل علاجي
          العجيب أن هذا النوع من الذبحة الصدرية لا يستجيب للعلاج الدوائي ولابد من التدخل العلاجي بالقسطرة ولابد من المساعدة في ذلك بالحقن المضادة للصفائح الدموية وهي حقن باهظة التكاليف وليست موجودة في كل مركز لعلاج القلب.
ماذا يقول الطب النفسي والعصبي؟
          د. هشام عادل صادق أستاذ الطب النفسي يقول: "الإدمان مرض يصيب المخ وبالتالي يؤثر في بقية أجزاء الجسم وتكاد لا تنجو خلية واحدة من خلايا المخ والجسد من التأثير الضار للمادة المدمنة".
          الإدمان في المقام الأول هو مرض نفسي حيث يؤثر في الوظائف النفسية المختلفة مثل التفكير والعاطفة والإدراك والسلوك كما يؤثر في درجة الوعي والانتباه واليقظة والتناسق الحركي والتوازن. ومثل أي مرض نفسي آخر كالاكتئاب أو الفصام فإن له جوانبه النفسية والاجتماعية والبيولوجية سواء من الناحية السببية أو كأعراض... إذن هو مرض نفسي، اجتماعي، بيولوجي.
          ولذا، فإنه من الخطأ أن نتعامل مع الإدمان كظاهرة بيولوجية بحتة مرتبطة بالاستعداد الوراثي أو بإصابة مخية أو بخلل هرمني أو كيميائي في المواد السابحة داخل وخارج الخلية المخية، ومن الخطأ الفادح أيضًا أن نعتبره ظاهرة اجتماعية ناشئة عن اضطراب علاقة الفرد بالمجتمع، أو كنتيجة لمجموعة من الضغوط الاجتماعية داخل وخارج نطاق الأسرة، أو ترجعه إلى خلل منظومة القيم التي تحكم أخلاق وسلوك وعلاقات أفراد المجتمع أو أنه مرض ينشأ لأسباب اقتصادية أو ثقافية.
          إذن، نحن أمام ظاهرة مرضية مركبة متعددة الأسباب، متعددة الأعراض كما أن تأثيرات المرض تمتد إلى خارج حدود المريض ذاته فتصيب أسرته وجيرانه وعمله وأصدقاءه والمجتمع بأسره، ولذلك، فالعلاج ليس سهلاً ولكنه ليس مستحيلاً والعلاج لابد أن يشتمل على الجوانب الثلاثة البيولوجية والنفسية والاجتماعية.
          ينطبق هذا الكلام على كل أنواع المواد المدمنة سواء كانت حشيشا وبانجو أوأفيونات أو إدمان الكحوليات أو المواد المنشطة ومنها الكوكايين.
          ونتوقف هنا كما يضيف أستاذ الطب النفسي عند مادة الكوكايين حيث إنه كان من المواد غير المنتشرة في المنطقة العربية، ولكن بدأ ظهوره وانتشاره في الآونة الأخيرة أصبح مسألة لافتة للنظر. فدائمًا المواد المدمنة المنتشرة في أي بلد يكون لها علاقة بثقافة هذا البلد والمجتمع، فمثلاً في بلادنا الشرقية، يميل المدمنون إلى استعمال المواد المثبطة التي تبعث على الهدوء والاسترخاء وإضاعة أكبر قدر من  الوقت على عكس الدول والثقافات الغربية والتي ينتشر فيها أكثر المواد المنشطة مثل الكوكايين الذي يحدث حالة من النشاط والمرح والضحك والحركة والحيوية الغريبة التي تدب في جميع الخلايا.
          إنها أوراق نبات «الكوكا» التي يستخرج منها مسحوق الكوكايين الذي يحدث هذه الآثار النفسية كالإحساس بحسن الحالة والثقة، مع حدة الوعي ويقظة الحواس والحركة الكثيرة والنشوة والعظمة، وتزاحم الأفكار والرغبة في الكلام والضحك، وله أيضًا آثار جسدية فيسبب ارتفاع ضغط الدم وسرعة ضربات القلب واتساع حدقة العين والغثيان والقيء والأرق.
استثارة وعدوانية
          الجرعة الزائدة تسبب حالة من التهيج وسهولة الاستثارة والعصبية والعدوانية والاعتداء على الآخرين وفقدان التقدير السليم للمواقف، وأيضًا زيادة الجرعة قد تؤدي إلى أعراض أشد خطورة مثل تشويش الوعي وربما الهذيان والخوف الشديد والصداع وقد تحدث أعراض عقلية خطيرة كالشعور بالاضطهاد وأن هناك من يتبعونه أو أن هناك محاولات لإيذائه أو تعقبه.
          وبعد ساعة أو أكثر تهدأ هذه الأعراض وتختفي ثم يشعر كأنه سقط من سماء الخيال إلى أرض الواقع المليئة بالآلام والأشواك فيشعر بالكآبة وتنهار قواه فيشعر بضعف ويرتعش الجسد كما يرتعش القلب بالحزن. وأعراض سحب الكوكايين يكون في صورة الإحساس بالكسل والرغبة في النوم والشعور بالكآبة الشديدة، ولذا فإن علاج إدمان الكوكايين ليس مشكلة إذا كان المقصود بالعلاج هو التوقف عن التعاطي، إنما المشكلة هي مداواة النفس المريضة التي لجأت إلى هذه الوسيلة للتعامل مع الحياة والتي سرعان ما تنهار هذه الحياة بأكملها بسبب هذا المرض المدمر.
          فعلاج الإدمان بشكل عام يكون بعيدًا عن نوعية المادة المدمنة لأنه مع اختلاف المواد، المفهوم واحد وهو الحاجة إلى تغيير الحالة النفسية للإنسان للتعامل مع الواقع بصورة مختلفة ومشوشة عن الحقيقة، فإعادة المريض أو بمعنى أدق، إعادة تأهيل المريض للتعامل مع الواقع دون هذه المواد أو دون هذه الحالة المشوشة هي الهدف من العلاج، وهنا نجد الصعوبة في تغيير المفاهيم والسلوك الخاطئ الذي أدى إلى الإدمان وأيضًا التغيرات التي طرأت على هذا المريض بسبب الإدمان وإحلال مفاهيم مختلفة محلها وتعويد المدمن على سلوك سوي يؤهله للعودة للحياة مرة أخرى.
من شجرة "الكوكا"
          "الكوكايين" مادة قلوية يتم استخراجها من أوراق شجرة «الكوكا» وهو مسحوق بللوري أبيض شفاف وناعم الملمس عديم الرائحة يبدو كالثلج.. ويتم تعاطيه إما عن طريق مضغ أوراق الكوكا أو تعاطي المسحوق عن طريق الشم وإذا كان في صورة محلول يكون عن طريق الحقن بالوريد.
          وقد عرفت مصر «الكوكايين» في العشرينيات من القرن الماضي، وأدى انتشار هذه المادة في ذلك الوقت إلى تدخل الفن لمقاومته وظهرت أيامها أغنية شهيرة للشاعر المعروف بيرم التونسي تقول «شم الكوكايين.. خلاني مسكين» وفي هذه الفترة فقد كثير من الأغنياء ثرواتهم في مقابل الحصول على شمة كوكايين.



هناك تعليق واحد:

  1. شــكـرا عـلـى حـسـن الـإلـقـاء

    ردحذف