الاثنين، 30 يوليو 2012

ثق بنفسك عند تربية طفلك


أصول تربية الطفل السليمة


هل يمكن تنشئة الطفل الكامل؟ وهل يمكن أن تساعد الكتب والمراجع الأهل على اتباع أصول التربية السليمة؟ أم أن الأمر في حاجة إلى ما هو أبعد من ذلك؟
          كلما دخلنا إلى إحدى المكتبات وجدنا صفًا طويلاً من الكتب المختصة بالأمور التربوية، هذا يرشدنا إلى تنشئة الطفل الناجح. ويعلمنا ذلك كيفية التغلب على مشكلة الغيرة بين أطفالنا وآخر يهدينا إلى السبيل التي نعلم بها أولادنا الذكاء العاطفي. هذا بالإضافة إلى المجلات المتخصصة التي تتضمن المقالات الأسبوعية والشهرية التي تقدم لنا الإرشادات والنصائح المتعلقة بتربية الأطفال. فإننا إذا ما استمعنا إلى الوسائل الإعلامية المختلفة نجدها تطالعنا بالكثير من البرامج الثابتة وغير الثابتة التي تناقش مختلف المشاكل والقضايا التربوية.
          كل ذلك جيد وجميل، ولكن ماذا يعني وجود كل تلك الآراء والأفكار؟ إن معظمها يدفعنا إلى الاعتقاد بأن الطفولة هي مسألة غاية في الجدية والتعقيد وبأننا إذا لم نستمع إلى كل تلك النصائح والإرشادات، لا يمكننا تحقيق التريبة المثلى. فمعها أصبح الكثير من الأهل يشككون بقدرات طفلهم الحسابية إذا لم يستمع إلى الموسيقي العالمي «موزار» Mozart، منذ طفولته الأولى، ويشعرون بكثير من القلق على التطور الحركي لدى الطفل إذا لم يدرجوه في صف من صفوف الرياضة البدنية في عمر السنتين وينتابهم الخوف على ثقة أولادهم بأنفسهم إذا لم يشتروا لهم آخر جهاز حاسوب أو أحدث لعبة إلكترونية نزلت إلى السوق.
          بات معظم الأهل مقتنعين بأن القدرات العادية أو الطبيعية لدى الطفل لم تعد كافية وبأن عليهم تزويد أطفالهم بقدرات فائقة للمنافسة والتقدم في المستقبل. وكل هذا يبدو ممكنًا مع كل التطورات والتقدم العلمي الذي نسمع به يوميًا.
أربعة أمور خطرة
          ولكن الخطورة في وصفنا تكمن في أربعة أمور، أولها: الاعتقاد بأنه يمكننا تنشئة الطفل الكامل الذي يتحلى بضمانة النجاح في كل الأمور لا محالة. ثانيها: بأن نتوهم أننا قادرون على تخطي كل العقبات والمشكلات التي يمكن أن تظهر بين أفراد العائلة الواحدة. ثالثها: أنها تضع عبئًا ماديًا ومعنويًا كبيرًا على الأهل وعلى الطفل على حد سواء. ورابعها: أنها تجعلنا نشكك بقدرتنا الفطرية على حل الأمور إذ إنه يصبح علينا اللجوء عند أي مشكلة تعترضنا إلى مرجع ما لاكتساب النصيحة والإرشاد اللازمين.
          بالنسبة لنقطة الخطورة الأولى، فإن كل هذا الجو من النصائح والإرشادات يجعلنا نعتقد بأن تحقيق الكمال بالنسبة لأطفالنا أصبح ممكنًا. لذلك، تهرع الأمهات قبل أن يولد الطفل، إلى تناول الفيتامينات الضرورية والغذاء، والقيام بالحركات الرياضية اللازمة بغية زيادة ذكاء الطفل ونموه العاطفي السليم. وعندما يولد الطفل نشتري له ما هو لازم وغير لازم من سرير وحاجات وألعاب يمكن أن تنمي ذكاءه وقدراته الفكرية. وبعد دخوله إلى المدرسة نسعى إلى إدراجه في جميع أنواع النشاطات غير المدرسية من تعلم مختلف أنواع الرياضة والموسيقى والرسم والفنون إلى ما هنالك من أمور أخرى. أي أننا نقوم ببرمجة وتنظيم كل الأمور اعتقادًا منا أنه بذلك يمكننا تجنب أي فشل يمكن أن يطرأ لاحقًا.
          وهذا السعي وراء الكمال هو سعي خاطئ إذ لا يمكن أن نوحي لأطفالنا بأن كل دقيقة من حياتهم لابد أن تكون سعيدة خالية من أي شقاء أو تعاسة. فالصحة العاطفية كما عرفها عالم النفس الشهير سيجموند فرويد هي القدرة على تحمل الشقاء الإنساني الذي لابد منه.
          ومفهوم الكمال هذا لا يمكن إلا أن تكون له ردة فعل سلبية علينا نحن إذا ما توقعنا الأفضل والأمثل من إنجازات وتصرفات طفلنا في كل الأمور. تقول إحدى الأمهات بأنها لن تنسى تلك النصيحة القيمة التي أعطاها إياها طبيب الأطفال عندما وضعت طفلها الأول ودخل عليها وهي تحمله بين ذراعيها، حيث قال لها: "أريدك أن تتذكري تلك اللحظة إلى الأبد. لأن هذا الطفل الكامل الذي ينام بهدوء بين ذراعيك الآن سينمو ليصبح ولدًا صغيرًا ثم شابًا يافعًا ولن يكون على تلك الحالة من الكمال أبدًا. وإن أهم وأفضل شيء يمكنك أن تفعليه من أجله هو أن تحبيه دائمًا كما تحبينه الآن".
          أما بالنسبة لموقع الخطورة الثانية، فيمكننا الرجوع إلى القول المأثور الذي يتداوله الصينيون وهو: «ما من عائلة يمكنها أن تكتب على بابها عبارة (لا مشاكل هنا)». إذ إن المشاكل العائلية واقعة لامحالة. وإذا ما كنا نظن بأن المشكلات العائلية هي شيء جديد فلننظر إلى التنافس بين الأشقاء الذي صوره القرآن الكريم بين يوسف وإخوته ومافعلوا به. ولكننا نحن آباء اليوم نعتقد بأن الحقائق الأبدية عن العلاقات العائلية من الغيرة والحسد والمنافسة يمكن أن نمحوها ونزيلها وذلك بالإسراع واللجوء إلى النصائح والإرشادات التي يمكننا الحصول عليها من المراجع المختلفة. كل تلك المراجع يمكنها تصويب تلك المشكلات ومساعدتنا على التعامل معها بشكل أفضل ولكنها لا تلغيها في أي حال من الأحوال.
          ثالثًا: تلك المشتريات التي نلهث لشرائها لأطفالنا إغناء لذكائهم وصحتهم النفسية تضع الأهل تحت أعباء مادية كبيرة في كثير من الأحيان. كما أنها تجعل الطفل يقلل من تقدير قيمة الأشياء وتقوده إلى قلة التركيز على اللعب في أي من الألعاب الكثيرة التي تحيط به وذلك لكثرتها وتنوعها. أما النشاطات وصفوف التعلم التي ندخل أولادنا فيها فإنها تضعنا تحت ضغوط معنوية كبيرة إذ تدفعنا أحيانًا إلى القيادة لفترة طويلة لنوصل أولادنا للمشاركة في تلك النشاطات بالإضافة إلى أنها تسلب العائلة الأوقات الجميلة التي يمكن أن تقضيها معًا. تلك الأوقات التي يمكن أن يتعلم منها الطفل كل تلك القيم الجميلة في الحياة من الحب والاحترام والمشاركة.
          يروي لنا د. ألفن روزنفلد Alvin Rosenfeld المتخصص في علم نفس الأطفال أن أحد أهم أثرياء العالم شكا له كيف أنه يعاني ليجعل طفلته تتعلم تلك المشاعر والقيم الاجتماعية الجميلة بالرغم من شرائه كل ما يمكن لها أن تفكر فيه أو أن تشتهيه
طفولة بلا ضغوط
          إن كثرة تلك النشاطات والدروس والبرامج المختلفة توحي للطفل بأن طفولته هي نوع من الأداء الذي يجب تقييمه، والحكم عليه في كل المراحل وليست مرحلة تحضيرية يجب أن يحياها بأمان بعيدًا عن الضغوط والبرامج الدائمة. ويشير الدكتور ألفن روزنفلد Alvin Rosenfeld ونيكول وايز Nicole Wise في كتابهما: «الطفل الخاضع لبرنامج مكثف: كي نتحاشى فخ التربية المفرطة» أو «The Over Scheduled Child: Avoiding the Hyper Parenting Trap»إلى أن البرامج المكثفة التي نخضع الطفل لها تسلبه أوقاع فراغ يمكن من خلالها أن يظهر قدرات إبداعية خلاقة الأمر الذي لا يمكن أن يفعله وهو موضوع تحت الضغط والنشاط المكثف.
          أما بالنسبة للخطورة الرابعة،فإن كثرة الاستشارات والسماع إلى الآخر تشير إلى إفلاس في المنطق والتحليل عند الأهل. عندما وضع كتابه الشهير عن التربية افتتحه الدكتور بنيامين سبوك Dr.Benjamen Spock بعبارة «ثقوا بأنفسكم» وطمأن الأهل بأنهم يعرفون عن أمور التربية أكثر بكثير مما يظنون وبأنه عليهم الاستماع إلى أحاسيسهم ومشاعرهم الطبيعية. كما حذرت خبيرة التربية الأكثر معاصرة بينيلوب ليش Penelope Leach من تربية الأطفال تبعًا للتعليمات الموجودة في الكتب والوسائل الإعلامية الأخرى فقط. وحث د.بيري بروزلتن T.Berry Brozelton على الاسترخاء وعدم اعتبار المسألة غاية في التعقيد، بل اعتبارها مسألة طبيعية على الجميع أن يحيوها بغاية التلقائية
التربية والمعتقدات
          إن كيفية تربية الأهل لأطفالهم يجب أن تعتمد على معتقداتهم الشخصية. ولكن ليس من الخطأ أن يقرأ الأهل ويتعلموا ويتحدثوا ويدرسوا ولكن في النهاية يجب أن يعرفوا أنفسهم لكي يثقوا بها. ومهما قال أي أخصائي أو مرشد تربوي فنحن في النهاية الأشخاص الذين سنشعر بالمسئولية عما سيكبر عليه أطفالنا. لذلك، علينا أن نؤجل تلك النصائح والإرشادات إذ يمكن الأخذ ببعضها إذا أمكن ذلك، ويمكن أن ندير ظهرنا لبعضها الآخر كما يمكننا - إذا ما صح القول - «إعادة تدوير» بعضها وتطبيقه بالشكل الذي يناسبنا لأنه عندما يتعلق الأمر بأولادنا فنحن «الخبير» الأفضل!.




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق