الثلاثاء، 24 يوليو 2012

الوزن الزائد عند الأطفال

السمنة عند صغار السن

          اعتُبرت الطفولة بمنزلة المهد الأساسي لنشوء البدانة (السمنة) التي تشكل، في الحقيقة، ذلك المرض الغذائي الأكثر تواتراً في عالم اليوم، ويشمل ذلك الطفل الموجود في كل المجتمعات (المتقدمة كما النامية) حيث ترتفع نسبة تفشيها لأكثر من 10% عند الأطفال والمراهقين المعاصرين.
          لكن هناك 16% من أطفال ما بين سن 7 و9 سنوات لديهم وزن زائد، يوازي ذلك تزايد بنسبة حوالي 20% خلال 20 عاما حيث كان لنمط التغذية، وما يسمى بـ "التحضّر" (التلفزيون، ألعاب الفيديو.. إلخ) المسيّر للمجتمعات المعاصرة دوره المهم في نمو هذا المرض.
          احتلت  البدانة ومنذ فترة قليلة، الأولوية في الاهتمام بالصحة العامة حيث تم الاعتراف بها حاليا كمرض، لا كعامل خطر فحسب، بخاصة وأن الأمر قد يتعقد مرضيا على المدى القصير والمتوسط والطويل حين يصيب القلب والشرايين والأيض والتنفس والعظام.. إلخ، وبالتالي، قد تكون انعكاساته خطيرة جداً، كما يتبين يوماً بعد يوم في ضوء الدراسات المتعددة التي تتم حديثا حول هذا الموضوع.
ما هي البدانة (السمنة)؟
          شكّلت  البدانة - وهي أحد اضطرابات السلوك الغذائي - تحديا حقيقيا للصحة العامة نظراً لتزايد نسبة انتشارها، وبشكل ثابت، منذ حوالي ثلاثة عقود.
          فقد كشفت دراسات حديثة متعددة أن أولى ركائز الأمراض القلبية والسكري من النمط الثاني تظهر عند معظم الأطفال المصابين بالسمنة قبل مرحلة البلوغ، كما كشفت هذه الدراسات عن وجود العديد من المؤشرات وعوامل الخطر الدالة على قرب ظهورها، من الممكن، بالتالي، معالجة هؤلاء الأطفال وهم لايزالون في مرحلة بدء ازدياد الوزن قبل تفاقمه بشكل مفرط، لديهم.
          وتبدو السمنة اليوم، ذلك المرض الغذائي الأكثر تواتراً في العالم وهو يشمل الجميع، وبخاصة الطفل والمراهق وفي كل المجتمعات (المتقدمة والنامية على السواء)، فلقد قدّرت منظمة الصحة العالمية، عام 2005، أن هناك في العالم ما لا يقل عن 20 مليون طفل في عمر يقل عن خمس السنوات يعانون من وزن زائد، والخطر الأهم يكمن في أن ما بين 30 إلى 50% وحتى إلى 80% من حالات السمنة عند الطفل تستمر حتى سن الرشد.
البعد النفسي والفيزيقي
          تنطوي هذه البدانة على عوامل تعريض جوهرية بالنسبة للأمراض الخطيرة بحيث تزداد مخاطر التعرض لضغط الدم والسكري وأمراض القلب، وبعض أنواع السرطان بالنسبة للأفراد ذوي الوزن الزائد. وتذكر بعض الدراسات أن خطر التعرض يبدأ في التزايد بمجرد حدوث 5% زيادة في الوزن، وليس هناك شك في أن الفرد الذي لديه من 20% إلى 30% أو أكثر زيادة في الوزن ينتمي إلى المجموعات الهشّة (الأكثر تعرضا)، كذلك، فإن موضع شحوم الجسم مهمة: ينطوي تخزين الدهون في الجزء الأعلى من الجسم، بخاصة تلك المخزّنة في التجويف البطني الداخلي، على عوامل خطورة أكبر من تلك المخزنة في الجزء الأسفل من الجسم.
          وللبعد النفسي، بالإضافة إلى البعد الفيزيقي، أهمية كبرى في السمنة عند الطفل: فالطفولة مرحلة بناء، والسمنة الظاهرة قد تكون مؤشراً على وجود اضطراب نفسي أكثر خطورة، لذا، من المهم عدم الانتظار واستشارة طبيب العائلة أو طبيب الطفل ما إن يتم الشك بذلك. أما تشخيص حالة الطفل فيتطلّب تحليلا دقيقا إذ، عليه يتوقف التدخل العلاجي، لذا يجب التركيز على كل ما من شأنه المساعدة في التعرّف على كل حيثيات الاضطراب عند الفرد المصاب: العوامل الوراثية المحتملة، السلوك الغذائي، نمط التمرين الفيزيقي الذي يمارسه، القياسات التي تم تطبيقها عليه.. إلخ.
          لتعريف السمنة نقول، إنها ذلك الإفراط في حجم الدهون، عند الطفل كما عند الراشد، مع الفارق الأساسي التالي بين الاثنين: يتطور حجم الدهون هذا مع نماء الطفل.
          هذا، وقد تم اختيار مؤشر كتلة الجسم (م.ك.ج أي IMC أو BMI) لتحديد البدانة عند الطفل بهدف التبسيط والتكامل مع الطرق المستخدمة عند الراشد، ويرتكز هذا المؤشر (IMC) على الوزن والقامة، ويُحسَب عن طريق قسمة الوزن بالكلغ على مربّع القامة بالمتر المربع: م.ك.ج= الوزن (بالكلغ)/ القامة (متر)2.
          يعكس هذا المؤشر بشكل جيد تطور الدهون وحجمها: فقبل عمر السنتين، يكون الطفل مدوراً وبديناً بشكل عام، والبدانة تزداد، وبعد عمر السنتين، تقل هذه البدانة ويبدو الطفل نحيفا حتى عمر 6 - 7 سنوات، ثم هناك، حوالي 8 سنوات، قفزة تتلاءم مع بداية الارتفاع الثاني لكتلة الجسم. تكون هذه القفزة الشحمية مبكرة (تحصل قبل خمس السنوات) عند الطفل المصاب بالسمنة.
          ولتأويل مؤشر كتلة الجسم (IMC) عند الأطفال نقول: هناك زيادة في الوزن عند الطفل حين يكون مؤشر كتلة الجسم (IMC) لديه أعلى من 90%، وهناك بدانة حين يكون أعلى من 97% بعد القفزة الشحمية.
          وبالمقارنة مع سن الرشد نقول: يتلاءم هذا التحديد مع مؤشر مواز لـ 25 و30  كلغ/م2. 95% من حالات البدانة تسمى أوّلية: فهي لا تندمج ضمن إطار زملة (تلازم أعراض) تكوينية معينة، كما أنها ليست ثانوية لمرض هورموني أو عصبي أو علاجي.. إلخ.
العوامل التي تتدخل في نمو البدانة وزيادة الوزن
          ترتبط البدانة وزيادة الوزن باختلال ميزان الطاقة، بمعنى أن ما يصرفه الجسم من طاقة هو أدنى من تلك التي يحصل عليها عن طريق الغذاء، فتميل دفّة الميزان لصالح التخزين. ثم أن الأنماط الجديدة من الأطعمة (أطعمة ذات سعرات حرارية غنية بالدهون ومحلاة بالسكر، فقيرة بالخضار والثمار..) والميل إلى الحضرية (التلفزيون، حياة المدينة) من العوامل الأساسية التي تتسبب في ازدياد نسبة الوزن الزائد والبدانة لدى الجمهور العام.
          وفي التسعينيات، كان هناك اعتراف عام بوجود عوامل متعددة تسهم في حدوث البدانة: فالوراثة، والثقافة، والسلوك الشخصي وعوامل أخرى، كلها مؤثرة، وربما تعمل بتفاعلات مختلفة لدى الأفراد. هذه العوامل ترتبط بين العوامل النفس - عاطفية (عوامل نفس - دينامية كالقلق، القصور العاطفي، عوامل نفس - جسمية كالألكسيتيميا أو الخلط بين الانفعالات والإحساس بالجوع، إحساس بالخارج كالتذوق والضغط البيئي المعزِّز لاستهلاك الغذاء، تقييد معرفي وينطلق من ملاحظة أن عمليات الحمية الغذائية تؤدي أحياناً لإحداث تأثرات سلبية أو حساسية مفرطة تجاه المثيرات الخارجية مع إفراط بالأكل أو غذاء قهري تعويضي). وهناك العوامل البيئية (يتقاسمها الطفل مع عائلته، وقد تكون متنوعة: مستوى - اجتماعي - اقتصادي منخفض عند الأهل لا يسمح بتأمين غذاء متنوع. طفل لوحده في البيت بعد العودة من المدرسة، وفاة قريب، انفصال الأهل، استخدام الطعام كاستجابة أو كتعزية، ولادة طفل جديد، سوء معاملة، عنف،..) والعوامل الاجتماعية (تتضمن التمييز، الرفض من قبل الأقران، الضغوط الاجتماعية المعززة للاستهلاك الغذائي..) بالإضافة إلى عوامل جينية (تكوينية) وأخرى ما بعد التكوين (أي البيئة التي يتغذى منها الرضيع وتلعب دور المبرمج) كل هذه العوامل تتفاعل بعضها مع بعض.
          ويشار أيضا، إلى أن الألم النفسي أو النفس - مرضي قد يشكل سببا، نتيجة أو مجرّد ارتباط مع السمنة، وقد يسبق ظهورها أو قد يسهم في نشوئها، وقد يكون ثانويا: هذا الألم النفسي الثانوي يرتبط، عموماً بضعف صورة الذات ويبخس صورة الجسد. وقد يرتبط بمشاعر خجل أو مشاعر ذنب في بعض الأحيان. وقد يكون هذا الألم النفسي ذا أصل فيزيقي (خشية ارتداء ثياب السباحة مثلا)، هناك أيضا، السخرية التي يتعرض لها الطفل مثلا بسبب بدانته من قبل الرفاق ورفضهم له.. إلخ.
          يسهم كل ذلك في زيادة الألم النفسي، وقد يفسد حياة المراهق فيما بعد، وهكذا، قد تستتب عند الطفل دائرة حقيقية مغلقة: تؤدي الوصمة والألم النفسي عند الطفل إلى عزلة اجتماعية مع تجنب للرفاق، الأمر الذي يؤدي بدوره، إلى قضم تعويضي يسهم في استتباب البدانة.
          ينبغي تمييز البدانة عن الإفراط في تناول الطعام، وعن ازدياد سرعة الاستهلاك الغذائي مع  عمليات المضغ الأقل طولاً والأقل عدداً، وعن الاستهلاك المتكرر لكميات صغيرة من الغذاء خارج إطار الوجبات، وأخيراً عن سلوكيات التقييد الغذائي التي تشمل عمليات الحمية الغذائية، وبشكل استثنائي استراتيجيات ضبط الوزن خلال مراحل الشره العصبي (التقيؤ، استخدام الملينات أو مدرات البول) التي يجب أن تقود إلى تشخيص الشره العصبي (وهو استثنائي عند المصاب بالبدانة).
تحسين العادات الغذائية
          يُنصح، عموما، بتحسين العادات الغذائية، حيث الهدف الأساسي ليس الوقاية، بل تعزيز الإحساس عند الفرد بأنه على ما يرام وذلك من خلال:
          - تناول ثلاث وجبات في اليوم، مع وجبة خفيفة عند العصر. منع القضم الدائم والمشروبات الحلوة المذاق (يجب إلغاؤها من المنزل). خفض كمية الأطعمة الغنية بالدهون.
          - تناول 5 حبات من الخضار والفاكهة في اليوم. تشجيع الطفل والمراهق على صعود الدرج باستمرار عوضا عن ركوب المصعد مثلا. الذهاب مشيا على الأقدام حين لا تكون المسافات الواجب قطعها طويلة. عدم السماح بقضاء وقت طويل أمام التلفزيون وألعاب الفيديو، لأنها تشجّع على عدم الحركة، المساعدة على تنويع أوقات الفراغ والتركيز خصوصاً على نشاطات سارّة تتميز باستهلاك الطاقة. مراقبة سنوية لمؤشر كتلة الجسم، تزويد الأهل والطفل بمعلومات حول التغذية الصحية. وباختصار، يجب تقديم غذاء سليم ومنوّع من حيث الغنى بالدهون و... إلخ.
          والعلاج يجب أن يكون: مبكراً قدر الإمكان (ما إن تبدأ زيادة الوزن عند الطفل أو بدانته بالظهور) وألا يتم قبل تقييم نفسي وفيزيقي واف، متعدد الاختصاصات، أي يجمع بين طبيب الأطفال، أخصّائي تغذية وحمية، عالم نفسي، تبعاً لمعطيات التشخيص، فردياً أي خاصا بكل فرد مصاب بحيث يتم تكييفه تبعاً للعمر، للجنس، لفترة النماء للنشاط الفيزيقي، لدرجة الوزن الزائد.. إلخ. وفي جميع الأحوال يجب أخذ العوامل الثقافية، الاجتماعية - الاقتصادية والعادات الغذاية المعتادة في الاعتبار.
          خلاصة القول، يزداد انتشار البدانة بشكل عام حاليا، ويشمل ذلك الطفل والمراهق، لكن ينبغي عدم الإفراط في الاهتمام الطبي بها، إن سلباً إو إيجاباً، وإن كان التنبّه لها بشكل مسبق هو أمرا في غاية الأهمية إذ يمكن الكشف المبكر عن الحالات المعرّضة للإصابة بها ومحاولة معالجتها قبل تفاقم الأمر.




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق