الاثنين، 24 سبتمبر 2012

• لماذا يدمر الكولسترول الشرايين؟

         اكتشف علماء أن بلورات الكولسترول تؤدي إلى التهاب في جدران الأوعية الدموية من شأنه أن يودي بحياة الإنسان. وقد ثبت هذا من خلال دراسة قام بها فريق علماء جامعات ماساتشوستس الأمريكية، وبون وميونيخ الألمانيتين.
         وأظهرت النتائج أن آلية الجسم الدفاعية تتصدى لبلورات الكولسترول، الأمر الذي تنتج عنه استجابة حادة من جهاز المناعة. ويؤدي هذا إلى تضخم التهابي في جدران الأوعية الدموية، يعرف باسم اللويحات التصلبية العصبية Atherosclerotic Plaques، الأمر الذي يقود إلى ضيق الشرايين. وتتضمن العواقب المحتملة النوبات القلبية، والجلطات والسكتات القلبية المفاجئة       

  
وكشف فريق العلماء عن هذه الآليات في بحثهم الذي نشرت نتائجه في دورية «نيتشر» العلمية. وتبشر اكتشافاتهم بآمال لتطوير أدوية جديدة لمقاومة التصلب العصيدي Atherosclerosis (تصلب الشرايين)، وهو مرض شائع جدا في سائر أنحاء العالم.
         وبالإضافة إلى الكولسترول المتبلر، فإن اللويحات التصلبية العصبية تضم أيضا كميات كبيرة من الخلايا المناعية، لكن المدهش أنها لا تضم أي بكتيريا أو فيروسات. ولم يكن من الواضح في السابق الآلية التي تجعل قوى الجسم الدفاعية تقوم بعملها، فحتى الحيوانات التي وضعت في بيئة معقمة كليا كانت تعاني من «تخثر» الشرايين إذا تضمن طعامها مستويات عالية من الكولسترول. والعلاقة نفسها موجودة بين البشر؛ فكلما ارتفع مستوى الكولسترول في الدم، ارتفعت مخاطر الإصابة بتصلب الشرايين وتعاظمت احتمالية الإصابة بنوبة قلبية. ويقول البروفيسور آيك لاتز الأستاذ في جامعة بون: «لطالما عرفنا ذلك ولكن لم يفهم أحد لماذا بالضبط».
         وكان البروفيسور لاتز يتحرى الإجابة على هذا السؤال بالتعاون مع د.بيتر دوفل من جامعة ميونيخ، والبروفيسور فيت هورننج من جامعة بون أيضا، وزملائهم الباحثين في الولايات المتحدة الأمريكية. ونجح الباحثون للمرة الأولى في تحديد الجسيم الذي يطلق الالتهاب في الأوعية الدموية الكبيرة.
         يقول د. دوفل: «لقد وجدنا أنه عندما يتوافر نوع معين من التغذية فإن بلورات الكولسترول تترسب في جدران الشرايين بعد وقت قصير نسبيا». ويضيف: «هذه البلورات تنقل بعد ذلك بواسطة الخلايا الكاسحة الموجودة في جهاز المناعة». وتصبح هذه هي الإشارة الأولى لسلسلة من التفاعلات الكارثية. وينتج عن الطعام غير الصحي تراكم بلورات الكولسترول التي تنشط بروتينًا معقدًا يعرف باسم Inflammasome في الخلايا الكاسحة. وإحدى وظائف هذا البروتين المعقد إطلاق وسائط الالتهاب. وتقوم وسائط الالتهاب بعد ذلك بجذب الكثير والكثير من خلايا المناعة إلى المكان الذي تظهر فيه المشكلة. وهذا الغزو المتزايد يؤدي في النهاية إلى عدم استقرار جدران الأوعية الدموية، مع عواقب محتملة قد تهدد حياة الإنسان.
النقرس في الشرايين
         يقول البروفيسور لاتز: «هناك عمليات مشابهة جدا تلاحظ في حالات داء النقرس، مع أن ذلك يحدث بشكل رئيسي في المفاصل». فالوجبات غير الصحية تتسبب في إطلاق نوبات شديدة الإيلام من داء النقرس. ولكن المتهم هذه المرة ليس الدهون، وإنما الأحماض النووية الموجودة، على سبيل المثال، في أنسجة العضلات (اللحوم). فحمض اليوريك الذي يتشكل خلال عملية الهضم يتحول إلى بلورات، وهذه البلورات باستطاعتها أن تطلق العنان لرد فعل التهابي قوي.
  



       وقد انضم أخيرًا البروفيسور لاتز إلى هيئة التدريس في جامعة بون بعدما عمل 10 سنوات باحثًا في الولايات المتحدة، وهو يترأس الآن «معهد المناعة الطبيعية» الذي تأسس حديثًا، وينصب اهتمام أبحاثه على الآليات المناعية التي تسبب ردات فعل التهابية. ويشكل جهاز المناعة الطبيعية جزءًا من آلية الجسم الدفاعية، وهو قادر على الاستجابة بسرعة مباشرة لعدد من الإشارات التنبيهية التي تظهر في بيئة الأنسجة. وتتضمن هذه المنبهات (الزنادات) ليس فقط الفيروسات، والبكتيريا والفطريات، بل أيضا بلورات معينة ومواد أخرى تظهر خلال حالات العدوى وحالات الكروب.
         والواقع أن قوة جهاز المناعة الطبيعية تكمن في أنه يمكن أن يستجيب بسرعة كبيرة للمواقف التي يتعرض فيها صاحبه للخطر، لكن المشكلة أنه يمكنه أيضا أن يخطئ الهدف، ويمكن أن نرى هذا النوع من رد الفعل المفرط أيضا في حالات «السحار Pneumoconioses» مثل «الرئة السوداء»، وهو مرض يصيب عادة عمال المناجم. وفي هذه الأمراض الرئوية، تحدث ردود أفعال التهابية حادة بسبب استنشاق بلورات السيليكات أو الاسبستوس، والتي تشبه الآليات الجزيئية للتعرف على البلورات التي تثار بواسطة بلورات الكولسترول في الأوعية الدموية.
نقطة البداية للكشف عن عقاقير جديدة
         لكن يبقى هناك جزء مفقود من الأحجية يحتاج الباحثون للتعرف عليه من أجل الوصول إلى الصورة الكاملة. يقول البروفيسور لاتز: «نحن لا نعرف تماما كيف تقوم بلورات الكولسترول بتنشيط بروتين Inflammasome»، غير أن الاكتشافات الجديدة تمنحنا نقاط انطلاق لاكتشاف علاجات جديدة. وفي الوقت الراهن، تستخدم عقاقير الستاتينات Statins على نحو واسع كعلاج. ويخفض هذا العقار مستويات الكولسترول بتثبيط الإنزيمات التي تلعب دورًا رئيسيًا في إنتاج الكولسترول في الكبد، وتقل بالتالي خطورة الإصابة بنوبة قلبية أو سكتة، لكن ليس بوسعها منع امتصاص الكولسترول من الوجبات التي نتناولها.
         وتشير تقديرات منظمة الصحة العالمية إلى أن عدد الأشخاص الذين يموتون بأمراض قلبية يقدر بـ 17 مليون شخص سنويا، وهذا يعني أن واحدة من كل أربع وفيات سببها التصلب العصيدي.



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق