السبت، 20 أكتوبر 2012

• مكتبة الكونجرس... المكتبة الأكبر في العالم..

     
 "المكتبة الأكبر والأكثر تكلفة والأكثر أمانًا في العالم" نقشت هذه العبارة على قبة مبنى توماس جيفرسون البناية الرئيسية لمكتبة الكونجرس التي تعتبر من المعالم البارزة في واشنطن حيث تبلغ مساحتها 39 هكتارًا، وطول رفوفها 856 كيلو مترًا، تضم 130 مليون مادة مختلفة منها 29 مليون كتاب، ومواد مطبوعة بـ 460 لغة وأكثر من 58 مليون وثيقة، وتعد أكبر مرجع في العالم للمواد القانونية والخرائط والأفلام والمعزوفات الموسيقية.

          أسست هذه المكتبة في العام 1800م لتخدم أعضاء الكونجرس الأمريكي، بدأت بمقتنيات قدرت آنذاك بخمسة آلاف دولار، يعود الفضل في إنشائها للرئيس توماس جيفرسون الرئيس الثالث للولايات المتحدة الأمريكية، كان متعدد المواهب: كاتبًا، دبلوماسيًا، قانونياً، ومهندسًا، إنه تنوع في المواهب التي اجتمعت في سياسي فريد، ولفرط الإعجاب به اختاره الرئيس الثاني جون آدمز نائبًا له. أصدر جيفرسون أول قانون يعرَف دور المكتبة على النحو الشامل الذي تقوم به اليوم.
مباني المكتبة
          ظلت المكتبة ملحقة بمبنى الكونجرس منذ إنشائها، وتوسعت في قاعات المبنى الذي أحرقه الإنجليز في 24 أغسطس 1814م، فقدت المكتبة، مقتنياتها فعوضتها في 30 يناير 1815م بشراء مكتبة توماس جيفرسون لتعوض جانبًا مما افتقدته، لكنها ظلت جزءًا من مبنى الكونجرس، في عام 1851م تعرضت مكتبة الكونجرس لحريق كبير، ودمرت النيران مايقرب من 35 ألف كتاب من إجمالي 55 ألفاً كانت تقتنيها. كان سبب الحريق عيباً في أحد المداخن، عرض توماس والتر على الكونجرس خطة لبناء جناح جديد للمكتبة بمواد غير قابلة للحريق، افتتح في 23 أغسطس 1853م في حفل كبير جعل الصحافة تطلق على هذا الجناح «أكبر جناح في العالم». في عام 1865م حصل أنسروت راند سبفرود Answorth Rand Spofford أمين المكتبة على موافقة الكونجرس على إضافة جناحين للمكتبة، يعود الفضل لسبفرود في إصدار قانون الإيداع الذي يضمن حق المؤلف في عام 1870م، الأمر الذي يتطلب إيداع نسختين من كل كتاب في المكتبة التي عدت المكتبة الوطنية للولايات المتحدة الأمريكية، أدى القانون إلى تدفق سيل من المقتنيات المختلفة على المكتبة، وهذا ما جعل سبفرود يواجه نقصًا في الأرفف، لذلك قام بإقناع الكونجرس بضرورة نقل المكتبة إلى مبنى جديد، وبالفعل نال الموافقة على اقتراحه.
مبنى جيفرسون
          كان من الطبيعي أن يثار جدل حول المبنى الجديد الذي لم يقر تخطيطه إلا عام 1886م، على غرار بنايات عصر النهضة الإيطالي وفقًا للتصميم الذي أعده كل من جون سمثير وبول بليز John L. Smithmeyer and Paul J. Pelz، لم ينجز هذا المبنى  إلا في عام 1897م. عرف هذا المبنى باسم مكتبة الكونجرس أو المكتبة الرئيسية حتى تمت تسميته مكتبة توماس جيفرسون في 13 إبريل 1976م في حفل أقيم في ذكرى ميلاد جفرسون بحضور الرئيس جيرالد فورد. عند افتتاحه كان يمثل الروح الأمريكية الجديدة وشكّل رمزاً وأثراً قومياً للدولة الأمريكية، فقد بذل في زخرفته جهد 50 فنانًا ونحاتًا أمريكيًا، البناية تعد بصدق الأكثر إخلاصًا للثقافة الكلاسيكية بشكل فاق كل ما تمتعت به المكتبات الأوربية الشهيرة.
مبنى آدمز
          في عام 1928م بناءً على طلب من أمين مكتبة الكونجرس هربرت بتمان، وافق الكونجرس على شراء الأراضي التي تقع شرق المكتبة الرئيسية لبناء ملحق جديد للمكتبة، في عام 1930م تم اعتماد ميزانية لبنائه وبناء نفق يربط بينه وبين المبنى الرئيسي ولإضافة جناح بالجهة الشرقية للمبنى الرئيسي، يخصص للكتب النادرة. صمم هذا المبنى شركة Pierson Swilson بالاشتراك مع المهندس الإستشاري ألكسندر بول تروبردج Alexander Buel Throwbridge  على الطراز الكلاسيكي البسيط، تم افتتاح المبنى في 2 ديسمبر 1938م وفي 3 يناير 1939م افتتح للجمهور. تميزت أبواب المبنى بالشخصيات التاريخية التي نفذت بالبرونز لتحكي جانبًا من التاريخ الإنساني وقد نفذها النحات لي لوير Lee Lawrie. في عام 1980م حمل المبنى اسم جون آدمز ثاني رئيس للولايات المتحدة.
- مبنى ماديسون
          مازالت مكتبة الكونجرس تنمو حتى اضطر ممفورد L. Qunicy  Mumford  لتقديم دراسات لإنشاء بناية ثالثة في عام 1957م، حصل على موافقة على البناء عام 1965م، ووضع حجر الأساس في عام 1974م، إلا أنه لم يفتتح إلا في 20 نوفمبر 1981م بحضور الرئيس رونالد ريجان.
          سمي المبنى باسم جيمس ماديسون الرئيس الرابع للولايات المتحدة، الذي يعد الأب الشرعي للدستور والحقوق الشرعية.
          نحت النحات والترهان كوك Walter Hancock تمثالاً لماديسون ونحت على الجدارن المحيطة بالتمثال ثمانية أقوال مقتبسة من كلام ماديسون عن الحرية والتعلم والمعرفة.
مقتنيات الكونجرس
          باختصار تعتبر مكتبة الكونجرس أكبر مكتبة في العالم، والمرجع الأول لمعظم المراجع، تضم 130 مليون مادة، منها 29 مليون كتاب ومواد مطبوعة بـ 460 لغة، و 58 مليون وثيقة، تعد الأكبر في العالم من حيث مقتنياتها من الخرائط والأفلام والمعزوفات الموسيقية. يقبل عليها الزائرون من كل أنحاء الولايات المتحدة ومن الدنيا كلها، فبين جنباتها جماع العطاء الفكري والثقافي والفني للبشرية عبر الحقب التي تعاقبت عليها.
          امتلك الرئيس توماس جيفرسون أول مصحف مترجم في العالم عام 1765م، ويعتقد مارك ديمنش رئيس قسم المؤلفات في مكتبة الكونجرس "أن الرئيس جيفرسون اشترى المصحف لأن دراساته القانونية كانت كثيرًا ما تشير إلى القرآن كمصدر للتشريع الإسلامي. ويرى مارك "أن جيفرسون كان رجلاً مستنيرًا ولم يكن غريبًا في ذلك الوقت على مستنير مثله أن يسعى للتعرف على الفلسفة الأخلاقية للديانات الأخرى".
          الترجمة التي اقتناها جيفرسون، ترجمها جورج سيل، وهي أول ترجمة للقرآن من العربية للإنجليزية مباشرة، فالترجمات الإنجليزية التي سبقته كانت تنقل عن القرآن الكريم المترجم إلى اللغة الفرنسية، مما أحدث خللاً في هذه الترجمات، يعرف المصحف المترجم في مكتبة الكونجرس باسم "مصحف جيفرسون".
          في قسم الشرق الأوسط وإفريقيا كتبت على الأبواب أسماء أهم المدن العربية، يضم القسم 300 ألف كتاب باللغة العربية ولغات الشرق الأوسط الأخرى. يقع هذا القسم في مبنى توماس جيفرسون، الذي يضم قاعة آسيا وقاعة أوربا ومركز التوثيق الياباني، بينما خصصت قاعة القراءة الرئيسية في المبنى لقسم العلوم الاجتماعية والإنسانيات، ومن أقسام هذا المبنى قاعة الميكروفيلم وقاعة الكتب النادرة والمجموعات الخاصة، ويضم مبنى جيمس ماديسون قاعات القراءة حول إفريقيا والخرائط ومكتبة القانون والسينما المتحركة والأفلام التليفزيونية، وقاعة الدوريات والصحف، وقاعة الفنون التطبيقية وقاعة الطباعة والصور.
          يضم مبنى جون آدمز قاعة الخدمات المرجعية التجارية، وقاعة العلوم والتكنولوجيا.
          تضم مكتبة الكونجرس أكبر مكتبة متخصصة في القانون في العالم ففيها حوالي 4.2 مليون مصنف. يعود هذا إلى أن دور المكتبة الذي أسست من أجله هو خدمة أعضاء الكونجرس كمكتبة مرجعية لهم. هكذا أراد الأمريكيون تأسيس دولتهم وفق قواعد علمية تخدم المصالح العليا لدولتهم، تضم المكتبة أيضًا أندر مجموعة من المخطوطات في العالم، وأكبر مجموعة من أوائل المطبوعات الأوربية، أبرزها أندر مئة كتاب للأطفال في العالم، منها أيضًا أصغر كتاب في العالم حجمه 1 / 25 بوصة يتم تقليب صفحاته بدبوس صغير، كما أن بالكونجرس أكبر كتاب في العالم يحتوي على صور بالحجم الطبيعي للطيور الأمريكية.
          وتضم المكتبة أيضاً 5.2 مليون تسجيل صوتي، العالم كله بمعارفه بين جدران هذه المكتبة التي تتطور يومًا بعد يوم لتظل على قمة مكتبات العالم، فهل ندرس هذه التجربة لكي ننافس هذه الدولة العظمى في مجال توظيف المعرفة لخدمة مصالحنا العربية وليس لترفيف الكتب على الأرفف دون أن نقرأها.
د. خالد عزب



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق