الأحد، 24 فبراير 2013

• عبدالله العتيبي



          لخص الشاعر الكويتي عبدالله العتيبي هويته الوطنية شعرًا عندما قال: «أنا نهمة البحار في أهواله/ أنا نخوة البدوي حين يضام». وهو بهذه الهوية لا يشير إلى مكونه الثقافي والاجتماعي وحده بل إلى مكون المجتمع الكويتي بأسره، حيث الصحراء قيمته الأولى وحيث البحر كيانه المتجدد.

          العتيبي الذي كان أحد أهم الأصوات الشعرية العالية في ديوان الشعر المعاصر في الكويت بقي في كل ما نشره من قصائد إرهاصًا شعريًا متحركًا ومنبئا بالكثير مما لم يمهله القدر كما يبدو لينشره، وإن كنت أتوقع نتيجة لرصد ما نشره فعلا أنه كتبه.. فقد تنوعت كتاباته الشعرية تنوعًا لا يكاد يباريه فيه أحد من شعراء الكويت ممن جايله أو ممن سبقه.
          وطرق العتيبي على طريق البحث عن قصيدته الخاصة كل ما اكتشفه من تنويعات شعرية، فكتب القصيدة العمودية وقصيدة التفعيلة، كما كتب متوسلاً اللغة العربية الفصحى واللهجة الكويتية أيضًا بشقيها الحضري والبدوي. وطرق باب الأغنية، فغنى له بعض أشهر الفنانين في الكويت أغنيات تكاد تسيل لرقتها وعذوبتها الموسيقية. أما أوبريتاته الوطنية، فكانت أشهر من أن تخفى على أحد من متتبعي الحركة الشعرية والحركة الفنية في الكويت. لقد حلقت بعض قصائده من خلال صوت الفنانين الكويتيين المعروفين شادي الخليج وسناء الخراز وموسيقى الملحن الكويتي الشهير غنام الديكان في عدد من الأوبريتات الوطنية ذات النمط التقريري المباشر، والتي قد لا تتوافق مع بدايات تقليدية رصينة كان العتيبي قد دشن بها مرحلته في منتصف الستينيات، وتكرست في مجموعتين شعريتين أصدرهما الشاعر قبل سنوات قليلة من رحيله، لكنها صنعت جزءًا كبيرًا من شهرته وساهمت في خلق ذائقة غنائية عالية المستوى لدى جمهور الأغاني وخصوصًا من الأجيال الشابة، التي كانت ترى في تلك الأوبريتات التي يغنيها تلاميذ المدارس جزءًا من تراثها الإنشادي الدائم.
          لكن تلك الأوبريتات ذات اللغة الغنائية المباشرة لم يدرجها العتيبي في سياق القصيدة عنده، بل كان واعيًا تماما أنه يكتبها لغرض فني وطني بحت، وبالتالي فهي ليست شعرًا خالصًا بقدر ما هي ضلع من أضلاع عمل فني يتكامل بالصوت اللحن مع الصورة والحركة واللون والمشهدية المسرحية، بالإضافة إلى الكلمات وتلاوينها. ويبدو أن تلك الأوبريتات ذات الخصوصية في الكتابة الشعرية أثرت قليلاً في مستوى التلقي النقدي بشكل سلبي لما قدمه العتيبي من شعر بشكل عام. إلا أننا نميل إلى أن العتيبي كان شاعرًا من طراز فريد في مسيرة الشعر الكويتي، وإن كان ذلك الطراز الشعري الفردي لم يتبلور كثيرًا إلا في بعض القصائد التي نشرها في مجموعتين شعريتين صدرتا له قبل رحيله في العام 1995م، وهما «مزار الحلم»، و«طائر البشرى». ولعلنا نرصد انحياز عبدالله العتيبي لحداثة شعرية لم يقتحمها بقوة من خلال اختيار عنوان ديوانه الأول الذي كان عابقا بأجواء الحلم في مستويات متعددة للمعنى الدلالي.
          ويعتني العتيبي بالدلالات النفسية في قصائده على نحو واضح وفقا لإيقاعات موسيقية صاخبة لعلها لا تتناسب مع الهدوء الذي تحتاج إليه القصائد المفعمة بالمعاني النفسية الحميمة.
          وُلِدَ الشاعر عبدالله العتيبي في الكويت العام 1942م، وبدأ مراحل دراسته الأولى في مدارس الكويت الحكومية ثم نال الثانوية العامة من المعهد الديني الذي تلقى فيه دراسات إسلامية قرآنية مكثفة ظهر أثرها لاحقا على جزالة الألفاظ وفصاحة اللغة في شعره. بعدها سافر للقاهرة ليكمل دراسته الجامعية ويتخرج في جامعتها بكلية الآداب العام 1970 ثم واصل تعليمه في الجامعة نفسها حتى حصل على درجة الماجستير وكان عنوان أطروحته فيها «شعر السلم في العصر الجاهلي». أما أطروحة الدكتوراه التي حصل عليها من الجامعة نفسها، فكانت «الحرب والسلم في الشعر العربي من صدر الإسلام إلى نهاية العصر الأموي». وواضح من هذه الاختيارات أن العتيبي كان معنيا بالروح القومية التي كانت سائدة في الكويت ليس على الصعيد السياسي في الستينيات والسبعينيات وحسب، بل أيضا على الصعيد الثقافي والشعري.
          وعمِلَ العتيبي بعد عودته من القاهرة في قسم اللغة العربية وآدابها، ثم عميدًا لكلية الآداب في جامعة الكويت، بالإضافة إلى مناصب ووظائف عدة عمل بها أثناء ذلك في وكالة الأنباء الكويتية، ولجنة المعاهد الفنية، والمعهد العالي للفنون الموسيقية، والمجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب. أما اهتماماته الأدبية الخالصة، فقد دفعت به لعضوية رابطة الأدباء التي شغل منصب الأمين العام لها أيضًا، ورئيس تحرير لمجلتها (البيان).
          وصحيح أنه لم يترك وراءه إلا ديواني شعر هما، «مزار الحلم» الذي أصدره العام 1988، و«طائر البشرى» الذي أصدره العام 1993، إلا أن تراثه الشعري الباقي حفظ في تلك الملاحم الغنائية والأوبريتات الفنية إذاعيًا وتلفزيونيًا، ومن أشهر هذه العناوين الفنية التي تركها، صدى التاريخ، مواكب الوفاء، ملحمة الخطوة المباركة، حديث السور، قوافل الأيام، أنا الآتي، أنا الكويت، أهل الكويت، قلادة الصابرين، الزمان العربي.
          كما ترك كتابين نقديين هما، «شعر السلم في العصر الجاهلي»، و«دراسات في الشعر الشعبي الكويتي». بالإضافة إلى كتاب ثالث أصدره بالاشتراك مع الشاعر الباحث خالد سعود الزيد حول شاعر كويتي ثالث هو صديقهما الراحل عبدالله سنان.
          ورحل العتيبي في العام 1995م لتبقى أغنيته تصهل في الآفاق:
سأنهي عندك الحلما
                             
وأصبح للزمان فما
وأمنح نبض أعماقي
                             
لكل مغـرد نغـما

تابعونا على الفيس بوك

www.facebook.com/awladuna

إقرأ أيضًا:
إبراهيم طوقان.. شاعر له عينا زرقاء اليمامة
ديكِ الجن.. ديك الشعر الفصيح
مالك بن الرَّيـْب.. يرثي نفسه




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق