الاثنين، 7 نوفمبر 2016

• الفرص الضائعة في الوطن العربي

"العالم العربي منطقة الفرص الضائعة" تعبير يتردد كثيرا في الفترة الأخيرة. وكان يمكن في تكاثر الآلام من المشاكل الحيوية على جسد المنطقة تجاهل ما يقال، ولكن كثرة ترديد هذا التعبير على العقل العربي جعلت البعض يصدقه بل ويردده، ولذلك محاذير خطيرة على السلوك العربي لابد من اليقظة لها.

إذا كانت هناك قضايا حيوية وخطيرة تطرح على العالم العربي منذ الحماقة الكبرى التي قام بها صدام حسين بغزو الكويت وما ترتب على ذلك من حرب الخليج بكل آثارها ونتائجها على كل شيء في العالم العربي، فإن معالجة هذا التعبير ليست خروخا عن السياق العام للأحداث الحيوية. ولا هي هروب من معالجة الأهم إلى المهم بل هي العكس تماما.

إذ إن معالجة هذه القضايا تعني ضرورة الحديث عن كل واحدة منها وهو ما يضيق به المكان، بينما البحث عن عامل مشترك يجمع الكثير من هذه القضايا الحيوية لابد أن ينتهي عند أسلوب العلاج والحل أي يصل إلى هذا التعبير الذي يراد به أن يكون مفتاحا لحل القضايا الاستراتيجية.

ولذلك يصح الوقوف عنده للبحث في سلبياته وإيجابياته.

منطق الفرصة

المعالجة العلمية تبدأ بالبحث عن تعريف متفق عليه لكلمة " فرصة "- سواء ضاعت أو انتهزت-!- فذلك لا يغير من التعريف في شيء إذ يتعلق بالسلوك تجاه الفرصة وليس في دلالتها.

والفرصة تعني أن هناك أمرا مطروحا أو متاحا تحقيقه أمام الفرد، ولم يكن ممكنا قبل ذلك وبالتالي لم يكن في حسبانه أو تقديره وعليه إعادة حساباته بسرعة لانتهاز ما هو مطروح لتحقيق المكسب الطارئ، والفرصة عادة ما تكون مرتبطة بمكسب وليس بخسارة.

والواضح أن منطق الفرصة هو أمر يتعلق بالسلوك الإنساني للفرد، بينما هو شيء لا يدخل في علم السياسات سواء كانت اجتماعية أو سياسية أو اقتصادية.

فالمجتمع- وخاصة الذي يأخذ بأساليب العلم - لابد أن تكون له استراتيجيات تقوم على مجموعة من القيم والمبادئ العامة التي تمثل الأهداف الاستراتيجية لهذا المجتمع، ثم السياسات التي تحول هذه الأهداف إلى واقع وهي تقوم على دراسة الإمكانات في ظل ثوابت ومتغيرات الإطار العام الذي يعيش فيه هذا المجتمع.

وهي استراتيجية من المفروض أن تتسم بقدر من المرونة لمواجهة المتغيرات، ولكن ذلك لا يكون على حساب الثوابت.

والواضح أن ما يتعلق بالمجتمع يختلف تماما عن مسألة الفرص المتاحة، ولكن المقصود بوصف العالم العربي بأنه منطقة الفرص الضائعة هو دعوة العقل العربي إلى قبول ما يعرض عليه وهو في جوهره يصل إلى التنازل عن كل الثوابت من الحقوق المشروعة.

وهي فرص ضائعة باعتبار أن ما سوف يعرض عليه في الغد سيكون أقل مما يعرض عليه اليوم.. وفي كليهما خدعة قائمة على فرضية أن هناك ثباتا في قدرة طرف، وهو ثبات يعني في الحياة السياسية والدولية تراجعا إلى الخلف باعتبار أن الأطراف المواجهة في حالة تقدم مستمر.. وهو أمر غير ممكن، حتى لو كان قد حدث..فهو في هذه الحالة استثناء لابد أن يعود بعده إلى التقدم أو الانهيار ليتيح لجديد أن يقوم.

وهو أيضا قائم على خدعة أن الطرف الآخر يعرض اليوم ما لن يعرضه غدا إذ لو كانت لهذا الآخر أهداف ثابتة وسياسات محددة فإنه لا يستطيع أن يعرض إلا ما يتفق وخطته ومراحل تنفيذ هذه الخطة، فإن كان سوف يعرض اليوم شيئا فى إطار سياسة المراحل ليعود ليأخذه بوسيلة أو أخرى غدا في مرحلة ثانية فإنه يكون عارضا لخدعة وليس لموقف ثابت.

كارثة القبول بالأمر الواقع

فإسرائيل- مثلا للجدل في هذا الإطار- لو كانت قد قامت على نصف فلسطين وفق القرار الظالم للأمم المتحدة والمخالف للقانون والعرف بتقسيم فلسطين وقامت على النصف الثاني دولة لفلسطين لما تغيرت مسيرة الأحداث كثيرا ؛ لأن الهدف الحقيقي للصهيونية كان وفق وثائقها السيطرة على فلسطين كلها واعتبارها قاعدة للهيمنة السياسية والاقتصادية على كل منطقة العالم العربي، ولكانت قد شنت مثل الحروب التي شنتها على العرب وربما أكثر لتحقيق أهدافها، ولضاع نصف فلسطين الثاني كما هو عليه الحال الآن وربما أكثر سوءا.

وما عرض في الحقيقة على جيل نكبة 1948 لم يكن فرصة، إذ إن أخذ نصف الوطن منه وقبول النصف الثاني ليس فرصة وإنما هو كارثة.

وهكذا يمكن أن نتابع في كل قضايا العالم العربي الفرص التي قيل إنها أتيحت له وضاعت منه لنجد أنها- في جوهرها في الوقت الذي عرضت فيه وسياق الأحداث الذي جاءت من خلاله- لم تكن فرصا على الإطلاق، أي لم يكن فيها أي مكسب بل خسارة وهو ما يتعارض تماما ومنطق "الفرصة".

والواضح أن المقصود بطرح مسألة منطقة الفرص الضائعة هو الدعوة إلى المزيد من التنازلات عن الحقوق في كل المجالات حتى تعود المنطقة إلى دائرة الهيمنة التي كانت عليها في القرن الماضي.

ورغم أنه من المؤكد أنه لم يطرح على العالم العربي أي فرص تحقق له كسبا فإن هناك خدعة للعقل العربي تأتي من مظهر كاذب من المصداقية، إذ يبدو أن ما عرض بالأمس كان أفضل مما يعرض اليوم.

الفرص الضائعة

والواقع أن الخدعة تأتي نتيجة استمرار حالة التخلف أو مرحلة الأزمة التي يعيشها النظام الإقليمي العربي سواء في تركيبته الداخلية ومشاكلها أو في علاقاته الدولية... فالمؤكد أن الحالة العربية تصل إلى أكثر مراحل الانحطاط القومي سوءا، والقياس على هذه المرحلة خطأ وبناء سياسات على أساسها أكثر خطأ. ثم إن دور أطراف داخلية أو خارجية في تكثيف حالة التخلف يجعل البعض مسقطا من حسابه هذا الدور ويتحدث عن الفرص الضائعة.

فمثلا نجد أن حماقة صدام باحتلال الكويت وما انتهت إليها من نتائج ما كان يمكن أن تنتهي دون آثار مدمرة على العالم العربي فى كل مجالات العمل داخليا كان أو خارجيا، وما ترتب على هذه الحماقة يجعل البعض يقبل ما لم يكن يقبله قبلها، فليس ذلك ضياعا للفرص ولكن كان هناك جرم ارتكب دفع بالمنطقة إلى الخلف وحقق لها انتكاسة كبرى.

واستمرار تخلف العالم العربي أو ثباته على حاله فى مواجهة تقدم الآخرين بما يبدو وكأنه يسير وحده إلى الخلف هو حالة استثنائية تمر بكل المجتمعات في العالم ليعود بعدها إلى شبابه وحيويته، وليس هذا مكان الحديث عن وسيلة تحقيق ذلك.

وإن كان يكفي إلقاء نظرة على تجارب الآخرين.. فنجد دولة مثل الصين قد اقتطع منها هونج كونج وفورموزا، وكل منهما أقيمت فيه دولة تجد الاعتراف والدعم من المجتمع الدولي المعاصر، وأقامت الصين دولتها على أرضها، وسكتت في العلانية فقط عن الحديث عن أرأضيها المحتلة إلى أن نجحت في أن تصبح واحدة من الدول الذرية وتتابعت الأحداث بدون الدخول في تفاصيلها والتي وصلت إلى تسليم هونج كونج لها في اتفاق حددت له فترة انتقال، وفورموزا بدورها بدأت الحديث عن الوطن الأم منذ سنوات بعد أن كانت تعتبر نفسها هي الوطن الأم .

وتجربة ألمانيا المقسمة بين الكتلتين باتفاقات دولية وموازين كان الإخلال بها فى فترة يعني حربا عالمية ثالثة مدمرة، ومع ذلك فقد كان كل منهما يضع السياسات والدراسات انتظارا ليوم غير منظور لتحقيق الوحدة.

والأمثلة كثيرة لمن يريد الحديث الجاد في البحث عن مستقبل العالم العربي وليس قبول منطق الفرص الضائعة.

استراتيجية عربية واضحة

وبداية لابد أن يكون للعالم العربي استراتيجية واضحة ومتفق عليها من كل الأطراف الأساسية.. وأن تكون هناك سياسات واضحة في وسائل التنفيذ ومراحل هذا التنفيذ ليتم استثمار قدرات العالم العربي البشرية أولا والاقتصادية والسياسية بعد ذلك لبناء العالم العربي على أسس سليمة، وساعتها سوف يكون الطريق مفتوحا لتحقيق الفرص المنشودة وليس الفرص المتاحة فهنالك فارق كبير بين تحقيق الفرص وانتهاز الفرص، والفارق ليس فقط أخلاقيا ولكنه فارق في كل شيء، والأخلاق أو القيم هي مجرد جزء منه وليست الكل.

وأول خطوة على الطريق تكون بوضع العقل العربي في مكان العمل وليس في حالة الاستكانة مع إدراك أنه يجب عدم الخلط بين العقلانية والبرجماتية وخاصة أننا في مرحلة تختلط فيها الألوان والأسماء..!!
سامي منصور






ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق